عاد من جديد نزاع الصحراء الغربية يطل برأسه أوروبيا، بعد إشراف اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي على الانتهاء، وبدء المبعوث الخاص للأمم المتحدة للصحراء مهمته في لقاءات مع مفوضيات الاتحاد في بروكسل في ظل توتر تعرفه الحدود الموريتانية المغربية بعد نشر جبهة البوليساريو دوريات عسكرية في معبر الكركرات الحدودي.
ونجحت الحكومة الإسبانية وجمعيات الصيد الأوروبية، خاصة الإسبانية منها، في الضغط على المفوضية الأوروبية من أجل التعجيل في دخول مفاوضات جادة وجديدة مع المغرب، بهدف تجديد اتفاق الصيد البحري بين الطرفين قبل انتهاء صلاحية الاتفاق في شهر تموز/ يوليو المقبل وبعد ساعات من حديث مصادر إسبانية، عن كون مفاوضات تجديد اتفاقية الصيد البحري تأجلت حتى شهر نيسان/ أبريل المقبل.
وطلبت اللجنة الأوروبية، من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، منحها الضوء الأخضر من أجل بدء المفاوضات مع الجهات المختصة المغربية، بغية تجديد اتفاقية الصيد البحري بين الطرفين، والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 2014، ومن المنتظر أن تنتهي صلاحيتها يوم 14 تموز/يوليو المقبل، ما يعني مغادرة كل السفن الأوروبية المياه الإقليمية المغربية، الشيء الذي يهدد مورد رزق آلاف الأسر الإسبانية. واعتمدت المفوضية الأوروبية توصية، عُممت على 28 بلدا عضوا، تقترح بدء محادثات مع الرباط، «في الأسابيع المقبلة».
تجديدها رغبة مشتركة
قالت المفوضية التي تسهر على المصالح العامة للاتحاد الأوروبي، إن المفوض الأوروبي المكلف بالبيئة والشؤون البحرية والصيد البحري، كارمينو فيلا، سبق أن التقى نظيره المغربي عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية، وأعربا خلال اجتماعاتهما العام الماضي عن رغبتهما في تجديد اتفاقية الصيد البحري، واعتبرا أنه «لا غنى عنها لكلا الطرفين».
وذكرت المفوضية الأوروبية أن الدراسة التقويمية المستقلة للآثار الإيجابية التي جرى إنجازها حول البروتوكول الذي يجمع المغرب والاتحاد الأوروبي خلصت إلى «كون الاتفاق كان فعالا في مجال دعم التنمية المستدامة للقطاع في المغرب والبلدان الأوروبية على حد سواء، خصوصا على مستوى تنزيل مشروعات استراتيجية من خلال تشغيل 200 بحار مغربي على متون سفن الصيد الأوروبي».
وكشف التقرير الصادر عن الاتحاد الأوروبي عن فعالية البروتوكول لتحقيق هدف استدامة الاستغلال، من خلال التعاون العلمي بين الطرفين، معلنا أن الاجتماعات العلمية السنوية المشتركة مكنت من تبادل المعطيات المتوفرة والتوصل إلى تشخيص مشترك. وأكد أنه جرى تطبيق الدعم القطاعي للاتفاقية بوتيرة جد مرضية مقاربة مع الدعم القطاعي المطبق في اتفاقيات أخرى، كاشفا عن استفادة جهات الداخلة – وادي الذهب والعيون – الساقية الحمراء من 66 من مئة من مجموع غلاف الدعم المالي، أي نحو 37 مليون يورو.
منطقة الصحراء استفادت من الاتفاقية
وأظهر التقرير حول التقديرات الأولية للعائدات الاجتماعية والاقتصادية للدعم القطاعي، أنه جرى خلق 180 منصب شغل مباشرا وتحسين ظروف عمل نحو 59 ألف شخص يشتغلون في القطاع وأنشطته، موضحا أن منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، استفادت مما مجموعه 75 من مئة من الآثار الاجتماعية والاقتصادية. وخلص إلى أن مستوى الاتفاق مقبول من لدن السلطات المغربية والمشغلين الأوروبيين والمغاربة، مشددا على أن تجديد الاتفاق هو السيناريو الأكثر استجابة للحاجيات المحددة من لدن الاتحاد الأوروبي للمحافظة على أداة للتعاون العميق مع المغرب المشارك بقوة في التعاون جنوب – جنوب، واستكمال أعماله لمصلحة استدامة المخزونات في المنظمات الجهوية للصيد.
ويهم بروتوكول اتفاق الصيد الأخير، الذي يسري بين 2014 و2018، نحو 120 باخرة تمثل أحد عشر بلدا أوروبيا، وهي: إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وليتوانيا ولاتفيا وهولندا وإيرلندا وبولونيا وبريطانيا، 80 من مئة من هذه السفن إسبانية. وتستخرج هذه السفن من المياه المغربية 83 ألف طن سنويا، وتمثل 5.6 من مئة من مجموع صيد الأسماك في كل المياه المغربية. وتجمع المغرب اتفاقية للصيد البحري مع روسيا بقيمة 800 مليون درهم، أي ضعف قيمة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي ثلاث مرات تقريبا.
ويقدر المقابل المالي الإجمالي السنوي للبروتوكول بـ 40 مليون يورو لفائدة المغرب، منها 14 مليونا مخصصة لمواصلة تفعيل مخطط «أليوتيس» بهدف تعزيز قطاع الصيد البحري الوطني اقتصاديا، مع ضمان تدبير مستدام ومسؤول للموارد البحرية. وأكد كارمينو بيا، المفوض الأوروبي للصيد، أن لديه الثقة في حصوله على موافقة المجلس الأوروبي لبدء المفاوضات مع المغرب، بهدف ضمان «الاستمرارية والتأمين القانوني للصيادين والصناعة السمكية».
ورجحت صحيفة «صوت غاليسيا» الاسبانية، إمكانية أن يتوصل الطرفان إلى تجديد الاتفاقية قبل شهر آب/ أغسطس المقبل، وقالت إن «الطرفين أظهرا اهتمامهما بالحفاظ على الروابط في الصيد البحري». وأضافت إن كارمينو بيا، المفوض الأوروبي للصيد، وعزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، أعربا عن نوايا واضحة من أجل تجديد الاتفاق، إذ يعتقد المسؤولان أن الاتفاقية مهمة للطرفين.
وقالت الصحيفة إن الطريق أصبح معبدا لتجديد الاتفاق، «خاصة بعد نشر دراسة مستقلة تبرز النتيجة الإيجابية للبروتوكول الحالي من حيث الصيد المستدام والجانب الاجتماعي والاقتصادي في قطاع الصيد في المغرب والاتحاد الأوروبي».
ونقلت صحيفة «أخبار اليوم» المغربية عن مصادر إسبانية أن قرار محكمة العدل الأوروبية في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2016، والذي قضى بإلغاء الاتفاق الموقع منذ 3 سنوات مع المغرب، في إثر الدعوة التي رفعتها جبهة البوليساريو أمام المحكمة الأوروبية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، لن يؤثر في تجديد اتفاقية الصيد البحري، بعدما كشف الدراسة ذاتها أن 300 مليون درهم الذي استفاد منه المغرب من الاتفاقية الجارية، كان له تأثير في كل المناطق التي يتم فيها الصيد، وفي الساكنة المحلية. إلى جانب أن 200 بحار مغربي يشتغلون في قوارب الصيد الأوروبية في المياه المغربية، ما يعني أن الاتفاقية مصدر رزق مئات الأسر المغربية كذلك.
ودعا مستشار بارز في المحكمة الأوروبية امس الأربعاء إلى ضرورة إلغاء اتفاقية المصائد السمكية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب على اعتبار أنها تمثل انتهاكا لحقوق السكان في منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها.
واحتجت «حملة الصحراء الغربية» على اتفاقية الصيد أمام محكمة بريطانية، أحالت بدورها الأمر إلى المحكمة الأعلى بالاتحاد الأوروبي. وأوصى المستشار ملكيور واثليت بأن يعتبر القضاة، ومقرهم لوكسمبورج، اتفاقية مصائد الأسماك «باطلة» لأنها تنطبق على الصحراء الغربية.
وأضاف أن 90 ٪ من الأسماك التي يتم صيدها بموجب الاتفاق تأتي من المياه الواقعة قبالة الصحراء الغربية، مشيرا إلى أن الاتفاق لا يشمل بنودا تضمن استفادة الصحراويين من الأموال التي سيتم دفعها للمغرب في المقابل.
الحكم لن يصدر قبل بضعة أشهر
ويعتبر واثليت واحدا من تسعة مستشارين يقدمون الرأي القانوني للمحكمة التي تتخذ من لوكسمبورج مقرا لها. وعادة ما يأخذ القضاة برأيهم. ومن المرجح ألا يصدر حكم في القضية قبل عدة أشهر. وقال واتيليت «استغلال المصايد في الاتحاد الأوروبي للمياه المجاورة للصحراء الغربية الذي بدأ ويُنفذ بموجب الاتفاقين محل النزاع لا يحترم حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره». وأضاف إن رأيه يستند إلى بند في القانون الدولي يقضي بضرورة انتفاع الصحراويين بأية ثروة يتم تحقيقها في استغلال الحياة البحرية الغنية الخاصة في الإقليم وقال إن معظم المياه التي يجري الصيد فيها بموجب اتفاقات التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تقع أمام ساحل منطقة الصحراء الغربية وبالتالي يجب أن تحصل المنطقة على أموال مقابل الأسماك التي يتم تصديرها للاتحاد الأوروبي.
المصدر: القدس العربي / محمود معروف _ الرباط