عمال المزارع بالمغرب.. ظروف عمل صعبة وحقوق منقوصة

المصدر :  الجزيرة

في مشهد عادي ومألوف وسط مزارع دار بوعزة جنوب غرب مدينة الدار البيضاء (وسط المغرب)، تناثر عشرات العمال والعاملات فوق خطوط حقل البطاطا، وهم يتعقبون آلة الجَني ذات المخلبين، التي تزيل الأوراق وتشق الأرض لتكشف الحبات الناضجة، فيغرس العمال بعدها أصابعهم في التربة لرفع حبات البطاطا المتناثرة بين الخطوط، وجمعها على شكل أكوام متباعدة، في انتظار جفاف قشرتها الخارجية.

تقول فاطمة -المرأة الخمسينية- إن يومها يبدأ على الساعة الرابعة صباحا رفقة عشرات العاملات الزراعيات، تمتطي مركبات النقل السري إما عبر عربات مجرورة بحصان، أو شاحنات أو دراجات ثلاثية العجلات. وتضيف “العمل بالحقل ينطلق باكرا قبل ارتفاع درجات الحرارة لتفادي إصابة حبات البطاطا بلفحة الشمس”.

زميلتها فتيحة تتنقل من قرية إلى أخرى للعمل في الحقول كأجيرة منذ أزيد من عشر سنوات، بدون عقود أو حقوق عمالية يضمنها قانون الشغل، وتقول إنهم يعملون أكثر من عشر ساعات متواصلة مقابل 14 دولارا وأحيانا 7 فقط.

وتضيف المرأة المطلقة التي تمكنت من تربية أربعة أبناء بقليل مما تجنيه من عملها، أن الأجرة مرتبطة بالعمل، “نأخذ أجرة في اليوم الذي نعمل فيه فقط”.

عمال الضيعة يجنون البطاطا مبكرا لتجنب حرارة الشمس حفاظا على المنتوج لا مراعاة لصحتهم (الجزيرة)

عمل مضنٍ
بخفة ومهارة، ينظف العمال المنحدرون من قرى “البئر الجديد” البعيدة عن الضيعة بنحو 20 كلم، حبات البطاطا من الطين العالق بها، ويستبعدون التالفة والمصابة، ثم يعبئون ذات الجودة العالية منها في صناديق بلاستيكية بطريقة منظمة، بينما يتكفل آخرون بعزل الحبات الصغيرة عن بقية المحصول وتعبئتها في أكياس النايلون.

مسيّر العمل في الضيعة أحمد الناجي يقول وعيناه تجولان في الحقل تتابعان العمال بدقة، “لا بد من توفر الحِرفية في قلع الأعشاب المحيطة بنبتة البطاطا”، و”عدم إتلاف الحبات الناضجة وتلافي إفسادها”.

ولا يقطع انهماك العمال في جني محصول البطاطا لساعات متواصلة إلا كوب شاي ساخن مغلي على الحطب يشربونه على عجل، وسط ترنيمات وأصوات غناء جماعي متناغم. أما المراقب أحمد فلا يتوقف عن مطالبتهم بإنجاز عملهم في أقصر وقت ممكن، كي لا يستلزم وقتا أكثر فيضطر إلى دفع أجر أكبر.

يبدو العمال المزارعون متعبين بوجوه متصحرة ورؤوس مغبرة، وأجفان معبأة نعاسا، وهم ينظرون إلى صناديق ممتلئة بالبطاطا قال العامل البشير الساخي “إن كل واحد منها يزن 37 كلغ”، تنوء أجسادهم بحملها، وما إن يرتب أحدهم الصندوق الذي حمله في الشاحنة الكبيرة، حتى يعود مجددا ليقطع مسافة طويلة كي يحمل آخر.

مرات كثيرة تعثرت فاطمة وكادت تسقط أرضا، لكنها تتماسك لكي لا تظهر لرب العمل أنها متعبة فيخصم من أجرها أو يستغني عنها.. تبتسم رغم شعورها بالإجهاد، وتتداخل ابتسامتها مع تجاعيد وجهها الأسمر الذي تضع عليه قناعا قماشيا ليحميها من آثار الأتربة المثيرة للجيوب الأنفية.

تحكي فاطمة أن ألم الظهر صار رفيقها بسبب حمل الصناديق والانحناء لساعات في الحقول بطريقة لا تعرف صحتها من ضررها بالنسبة لجسدها الهزيل.

ألم الظهر رفيق عمال جني البطاطا وغيرها من الخضروات (الجزيرة)

حقوق ضائعة
ورغم وضع العمال الصعب، لم يجد العربي الهادي -وهو صاحب ضيعة فلاحية بضواحي الدار البيضاء- حرجا في القول “إنه لا وجود لشيء اسمه عقود عمل، لأن الظروف التي يمارسون فيها نشاطهم موروثة بالتعاقدات العرفية”.

وجزم الهادي بأن “مصاريف المحصول والمتغيرات المناخية تجعلهم في وضعية العاجز عن الوفاء بهذه الالتزامات”، لكن النقابيين يعتبرون هذه الوضعية مجحفة، حيث كشف سعيد خير الله الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (مؤسسة غير رسمية للدفاع عن حقوق العمال) أن الإعفاءات الضريبية التي يستفيد منها المستثمرون في هذا القطاع، لا يقابلها تحسين لوضعية أزيد من 1.5 مليون عامل وعاملة في الزراعة بالمغرب.

واعتبر خير الله أن الاحتفاظ بهم عمالا مؤقتين بعد سنوات من الاستغلال، التفاف على حقوقهم وعلى مقتضيات مدونة الشغل (نص قانوني ينظم علاقات الشغل).

وأكد المتحدث أن غالبية هؤلاء العمال محرومون من أي تغطية اجتماعية وصحية ومن التعويضات العائلية، كما يطالهم التمييز في الأجر وساعات العمل عن القطاعات الأخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *