هل جعل “المغرب الأخضر” الفلاحةَ محركا للاقتصاد المغربي؟

البوابة العربية لأخبار الفلاحة

تعتبر الحكومة مخطط “المغرب الأخضر” إستراتيجية وطنية شمولية تهدف إلى تحقيق تنمية فلاحية طموحة ترمي إلى جعل القطاع الفلاحي من أهم محركات تنمية الاقتصاد الوطني في أفق 2020، وترتكز برامج هذا المخطط على تثمين خصوصيات كل منطقة، والاستغلال الأمثل لمؤهلاتها الطبيعية في إطار تنمية مستدامة تحافظ على الموارد والتوازن البيئي، وكذا تحقيق تنمية متوازنة من خلال فلاحة عصرية تستجيب لمتطلبات السوق، وفلاحة تضامنية تهدف إلى محاربة الفقر في العالم القروي عبر تحسين دخل الفلاحين الصغار.

ويظل السؤال الكبير، بعد خمس سنوات ونصف من انطلاقته، هو هل حقق مخطط المغرب الأخضر أهدافه، وجعل القطاع الفلاحي من أهم محركات الاقتصاد الوطني؟

القطاع الفلاحي حقق تحولا نوعيا

كشفت معطيات إحصائية لوزارة الفلاحة والصيد البحري أن القطاع الفلاحي ما بين 2008 و2012، سجل ارتفاعا في نسبة الاستثمار لكل عامل فلاحي بأكثر من 18 في المائة، والمساحات المزروعة بنسبة 11في المائة بزيادة بلغت 750 ألف هكتار، ونسبة استعمال المكننة الفلاحية من 5 إلى 7.6 جرار لكل ألف هكتار بارتفاع فاق 36 في المائة.

وارتفعت مردودية أهم سلاسل الإنتاج، حسب ذات المعطيات بمعدل يتراوح ما بين 6 في المائة بالنسبة للحوامض، و65 في المائة بالنسبة للحبوب، وكذا قيمة المنتجات المصنعة المصدرة بحوالي 8 في المائة، إلى جانب تحسن نصيب الفرد من المتوفرات الغذائية بحوالي 14 في المائة، واستقرار نسبي لمؤشر أسعار المواد الغذائية الفلاحية الذي لم يتعد 13 في المائة مقابل 33 في المائة على الصعيد العالمي، والذي تعتمده منظمة الفاو.

المخطط أعطى العالم القروي مكانته المستحقة

واعتبرت وزارة الفلاحة أن نتائج مخطط “المغرب الأخضر” بدأت تتأكد بالملموس منذ منتصف الطريق، من خلال انخراط الجميع في مسار تنموي وإصلاحي يهدف أساسا إلى تحسين تنافسية القطاع الفلاحي، وضخ استثمارات منتجة وتحسين دخل الفلاحين الصغار، مجددة التزامها وعزم الجميع، حكومة ومهنيين ومختلف الفاعلين، على مواصلة السير قدما نحو تحقيق الأهداف المسطرة.

وكشفت ذات المعطيات أن المخطط مكن من إعطاء العالم القروي مكانته المستحقة، وبعث الآمال في نفوس الفلاحين، خصوصا الشباب من خلال الاعتماد على مبدأين أساسيين أحدهما الفلاحة للجميع، في إطار نظام اقتصادي واجتماعي مندمج لا يميز بين الفلاحة الصغرى والكبرى، والفلاحة البورية والمسقية، والفلاحة التسويقية والمعاشية، مع الاعتماد على نظام التجميع الذي يضمن أحسن النتائج بفضل التأطير المباشر للفلاحين الصغار، ونقل التكنولوجيات والتزود بأحسن، المدخلات للولوج للأسواق مع تجاوز الإشكالية المتعلقة بتجزؤ وصغر الاستغلاليات الفلاحية.

ويتمثل المبدأ الآخر، حسب وزارة الفلاحة والصيد البحري، في اعتبار الفلاحة مسؤولية الجميع، من خلال الإشراك الدائم لمختلف الفاعلين في مسلسل اتخاذ القرارات المتعلقة بالقطاع وتقاسم، مسؤوليات معهم في إطار مقاربة تعاقدية، حيث أضحت تنمية القطاع الفلاحي مسؤولية مشتركة، أي إطار ديمقراطية مهنية بين الدولة وممثلي الفلاحين والمهنيين تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الخاصة للفلاحين.

وفي هذا السياق أوضحت المعطيات أنه تم إنشاء 17 هيئة بيو ـ مهنية وإحداث 16 غرفة فلاحية جهوية و426 تعاونية فلاحية، مؤكدة أن التجارب الناجحة للمشاريع التضامنية لمخطط “المغرب الأخضر” أثبتت إمكانية تحديث الفلاحة الصغرى العائلية وإدماجها الكامل في اقتصاد السوق، وتحويل العديد من الاستغلاليات الصغرى العائلية إلى مقاولات حقيقية ضمن هياكل مهنية، مما من شأنه أن يشكل النواة الأولى لنظام زراعي جديد.

استثمارات فلاحية بالملايير

ومن جهة أخرى وضع مخطط “المغرب الأخضر” تحسين تنافسية القطاع الفلاحي في صلب اهتماماته عبر تشجيع الاستثمار”، حسب الوزارة الوصية، حيث ناهز 53 مليار درهم خلال الخمس سنوات الأخيرة.

هذا المعطى مكن من جذب 23 مليار درهم كقيمة مضافة إضافية مقارنة مع الفترة المرجعية، وتحسين نصيب القطاع الفلاحي من الاستثمارات، بارتفاع من 9.5 إلى 13في المائة، وتحسين مردودية مختلف سلاسل الإنتاج، وظروف تثمين وترويج وتسويق المنتجات الفلاحية، ومسالك التوزيع والتسويق عبر خلق أقطاب فلاحية.

الأمن الغذائي وتأمين الشغل والموارد المالية

أكدت الحكومة أن قطاع الفلاحة يقوم بدور محوري في تحقيق الأمن الغذائي، وتأمين الشغل والموارد المالية، وذلك لكونه يساهم بمعدل 19% من الناتج الداخلي الخام، منها 15% في الفلاحة و4% في الصناعة الفلاحية، ويشغل 4 مليون قروي، ويستوعب أكثر من 50 % من مجموع القوى العاملة.

وأوضحت معطيات حكومية رسمية في قطاع الفلاحة أن القطاع يشكل مصدر العيش لأكثر من 80 % من سكان القرى، مشيرة أنه يتحمل مسؤولية توفير الأمن الغذائي للمغاربة، ويساهم بنسب جد هامة في الاكتفاء الذاتي الغذائي حيث يغطي حوالي 100 % من الخضر والفواكه والحوامض والمنتوجات الحيوانية، و70 % من الحبوب والقطاني و40 % من السكر.

ومن جهته يحقق قطاع الخضر والفواكه وزيت الزيتون فائضا هاما من الإنتاج يوجَّه للتصدير، ويمثل مصدرا هاما للعملة الصعبة كما يحوَّل قسط كبير منه نحو قطاع الصناعة الغذائية، حيث سد عجز الاستهلاك الداخلي عن طريق الاستيراد حيث تمثل المواد الفلاحية المستوردة حوالي 68% من مجموع الواردات منها حوالي 30% من الحبوب و 17% من الزيوت النباتية و8% من السكر، مما يمثل عبئا كبيرا على الميزان التجاري.

ويساهم قطاع الصيد البحري كذلك بنصيب وافر في تحقيق الأمن الغذائي، حيث بلغت حصيلة صيد الأسماك برسم 2011 أكثر من مليون طن، منها 36% موجهة للاستهلاك، و12% للتعليب و28% للتجميد و20% للتحويل الصناعي (استخراج الدقيق والزيت)، وفي نفس الاتجاه فإن هذا القطاع يؤمِّن 170 ألف منصب مباشر، و 490 ألف منصب غير مباشر، ويشكل مصدر العيش لأكثر من 3 ملايين نسمة.

ندرة المياه.. أهم الإكراهات

وفي رصدها لأهم الإكراهات التي يعاني منها القطاع الفلاحي، سجلت الحكومة أن ندرة الموارد المائية والتقلبات المناخية، يشكلان أكبر تحد للقطاع الفلاحي بالمغرب حيث يُتوقع أن تصبح ثلثا الأراضي غير قابلة للاستغلال الفلاحي بحلول 2050، محذرة في هذا سياق من تَعدّد وتَعقد الأنظمة العقارية وصِغر المساحات المستغلة فلاحيا، بالإضافة للمشاكل المرتبطة بتنافسية الفلاحة الوطنية، علاقةً باتفاقيات التبادل الحر وبتقلبات أسعار السوق الدولية.

عقلنة الري وتعبئة وتثمين الموارد المائية

ولتجاوز هذه الإشكالات، فإن الحكومة وضعت عددا من التدابير لتأهيل القطاع الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي، حيث يتوفر المغرب على شبكة من السدود، مكِّنته من مواجهة سنوات الجفاف، وضمان حد أدنى من الإنتاج الفلاحى خلال مثل هذه الفترات.

وفي هذا السياق أكدت الحكومة أنها “عازمة على الاستمرار في سياسة تشييد السدود بمختلف أنواعها، ومدّ وتحويل المياه من المناطق التي تعرف فائضا إلى المناطق التي تعرف خصاصا في الماء”.

وتتمثل إنجازات 2012، حسب حصيلة وزارة الفلاحة في هذا الاتجاه في تتمة إنجاز سدّين كبيرين في كل من إقليم سطات (كدية الكرن) وإقليم شيشاوة (سد تاشكورت)، وإطلاق أشغال سد خروب بطنجة بالإضافة إلى عدة سدود صغرى، كما خصص برسم 2013 مبلغ 12,5 مليار درهم لمواصلة بناء 11 سدا كبيرا وإنهاء أشغال 4 سدود بكل من خنيفرة ومارتيل والرشيدية وورزازات.

وتتابع الحكومة إنجاز برامج مهيكلة لتأهيل قطاع الري، من أهمها اقتصاد وتثمين الماء عبر تحديث نظم الري، وذلك باعتماد تقنية الري الموضعي في 550 ألف هكتار بدل الري التقليدي، بوتيرة سنوية تناهز 55 ألف هكتار، وهو ما سيمكن من اقتصاد ما يناهز 2,5 مليار متر مكعب من المياه على مستوى الضيعات الفلاحية والرفع من إنتاجية الماء بنسب تتراوح بين 20 إلى 100%، وقد تم من 2008 إلى حدود يونيو 2012 إنجاز 174 ألف هكتار، مما يرفع المساحة الإجمالية المجهزة بالري الموضعي إلى حوالي 333 ألف هكتار، أي 24% من المساحة المسقية على الصعيد الوطني.

وفي نفس الاتجاه تم توسيع الري بسافلة السدود المنجزة أو التي في طور الإنجاز، وذلك بتجهيز مساحة إجمالية تقدر ب 155 ألف هكتار ، مما سيمكن من تثمين 1,2 مليار متر مكعب وخلق 60.000 عمل قار.

تعبئة العقار الفلاحي

ولمواجهة إشكال صِغر مساحة الضيعات الفلاحية، تشجع الحكومة التجميع بفضل مجموعة من التسهيلات والامتيازات التي تقدمها للمجمِّعين والمجمَّعين. ولضمان الأمان القانوني لهذه الممارسة، فقد تم إعداد قانون للتجميع الفلاحي.

وفي إطار تعبة وتثمين واستغلال الأراضي الجماعية الفلاحية من طرف المستثمرين الخواص، تسهر السلطات الوصية على تشجيع كراء هذه الأراضي لإنجاز مشاريع فلاحية عصرية. وتشمل هذه العملية 70.000 هكتار، كما تم أخيرا إحصاء مساحة تقدر ب 40.000 هكتار من الأراضي الجماعية، تخصص لإنجاز مشاريع فلاحية في إطار مخطط المغرب الأخضر.

الرفع من الإنتاج والتخفيف من العجز

فيما يخص سلاسل الإنتاج النباتية، تهدف الحكومة، في أفق 2020، إلى ضمان محصول سنوي من الحبوب بمعدل 7 ملايين طن، في موسم عادي، على مساحة تناهز 4,2 مليون هكتار، بتقليص المساحة المخصصة للحبوب ب 20% ورفع المردودية ب 50%، وتحقيق إنتاج من السكر يصل إلى 776.000 طن، أي ما يعادل 56% من الحاجيات الداخلية عوض 40% حاليا.

من جهة ثانية أكدت الحكومة على ضرورة رفع إنتاج البواكر والحوامض والزيتون والأشجار المثمرة والتمور والفلاحة البيولوجية، لتغطية الحاجيات الداخلية وتصدير الفائض، ومن ذلك تشجيع قطاع الزيوت الغذائية، بهدف تحسين مستوى تغطية الحاجيات الداخلية للاستهلاك من الزيوت الغذائية.

ولتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي في المواد الفلاحية الأساسية والرفع من الإنتاجية وتنافسية المنتوج الفلاحي المغربي وتشجيع تصدير الفائض، قامت الحكومة باتخاذ الإجراءات، أولها تعزيز نظام التحفيزات للاستثمار في هذا المجال مع تبسيط ونشر المسطرة، وتمويل مشاريع السقي الموضعي في حدود 80 إلى 100 % من تكلفة اقتناء التجهيزات.

ومن جهة أخرى قامت الحكومة بتمويل وتجهيز الضيعات الفلاحية بالآلات في حدود 20 إلى 60 %، وتمويل غراسة الأراضي المثمرة في حدود 80 إلى 100%، وتمويل إنتاج أبقار مختارة النسل في حدود 4.000 إلى 5.000 درهم للرأس، حيث تم رصد الاعتمادات المالية اللازمة وتسهيل ولوج الفلاح إلى التمويل.

 

المصدر:http://hespress.com/economie/91399.html

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *