التحسين الوراثي للأبقار بالمغرب

بقلم  :ابراهيم الحجوجي                   ابراهيم الحجوجي

الهولشتاين هو صنف أصيل من الأبقار الحلوب التي أثبتت تفوقها على باقي الأصناف، من حيث القدرة على إنتاج الحليب بكمية كبيرة، وبجودة عالية. ويحتل صنف الهولشتاين الصدارة عالميا، من حيث عدد الأبقار المنتجة للحليب، وكذلك من حيث الإنتاجية الفردية لكل بقرة، والتي تصل في أغلب البلدان إلى 10000 لتر للبقرة سنويا مع وجود بعض الحالات التي تجاوز فيها الانتاج عتبة 17000 لتر خلال 305 يوم. غير أن ما لا يعرفه كثير من مربي هذا الصنف من البقر الحلوب هو أن التحسين الوراثي لهذه الأبقار كان على حساب مؤهلات وراثية أخرى. فالهولشتاين هي من أكثر الأصناف حساسية وأقلها تحملا، وعجولها من أقل العجول إنتاجية ل اللحوم. ثم إن الحصول على الإنتاجية العالية من بقرة الهولشتاين منوط بتوفر كل الظروف المناسبة من تغذية. متوازنة ورعاية صحية دقيقة وظروف بيئية مريحة.

وهناك اختلافات بسيطة بين مواصفات الهولشتاين في كل منطقة. ففي أوروبا مثلا يهتم مربوا الأبقار في برامجهم لتحسين النسل بتطوير جودة مكونات الحليب من بروتينات ودهنيات أكثر من اهتمامهم بكمية الحليب المنتج. ثم يأتي في المرتبة الثانية اهتمامهم بالمواصفات الجسمانية المثالية للبقرة، كاستقامة الظهر والقوائم وميلان الحوض وسعة الجسم، كما يدققون كثيرا في مواصفات الضرع الذي يجب أن يكون مثاليا ليجمع بين قوة الإنتاج والحجم المناسب وسهولة الحلب بالآلات. والهدف من هذا التحسين الوراثي هو الحصول على بقرة تعيش أطول مدة ممكنة بأقل ما يمكن من المشاكل الصحية وبالتالي تلد أكبر عدد ممكن العجول.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، فيركز الفلاحون في تطوير سلالتهم على كمية الانتاج، ولا يهتمون كثيرا بالمواصفات الأخرى، فكان من نتائج ذلك أن القطيع اللأمريكي يتميز بإنتاجية عالية جدا مع جودة متوسطة. وفي المقابل تعاني الأبقار من عدة مشاكل صحية بسبب كبر ضرعها وعدم تناسب مواصفاتها الجسمانية. ولعل الشيء الذي شجع الأمريكيين على نهج هذا المسار في برامج التحسين الوراثي لديهم، هو وفرة إناث الإستبدال ليهم بثمن مناسب جدا. فالفلاح الأمريكي لا يهتم كثيرا بالمحافظة على بقرته لمدة طويلة حتى تتعدد ولاداتها، بل يحاول أن يستخرج منها أكبر كمية ممكنة من الحليب خلال مدة قصيرة وبمجرد تعرضها لمشاكل صحية يبيعها ويشتري عجلة حامل جديدة.

إن التحسين الوراثي لبقرة الهولشتاين لم يكن أبدا بالأمر السهل. بل هو نتيجة تظافر جهود كبيرة واستثمار أموال مهمة في تطوير مراكز إنتاج بذور الثيران الأصيلة. هذه الثيران أصبحت تبلغ من الشهرة في عالم إنتاج الحليب ما يبلغه أشهر الرياضيين في عالم الرياضة. فلكي يتم اختيار ثور والمصادقة على مؤهلاته الوراثية، يجب أن يمر من عدة اختبارات حازمة. يتم أولا اختيارالمترشحين من المواليد الجدد بناءا على مواصفات أصولها (أي آبائها)، ومع تقدم سن هذه العجول يتم اختيار أفضلها بناءا على مواصفاتها الجسمانية وسرعة نموها وقدرة احتمالها. وبمجرد بلوغها سن التزاوج، يتم فحص بذورها للتأكد من جودتها وحيوية حيواناتها المنوية، ثم يتم تلقيح عدد كبير من الإناث ببذور هذه الثيران وانتظار وضعها ونمو بناتها، ليتم بعد ذلك مقارنة مواصفات الفروع بالأصول (أي مقارنة البنات بالأمهات). وبناءا على هذه المقارنة يتم استكشاف نقاط القوة في صفات الثور الوراثية. وبعد إخضاع كل هذه المعلومات للتحليل، يمكننا القول بأن هذا الثور مثلا لديه صفات وراثية تحسن إنتاجية حليب ابنته مقارنة مع أمها بمعدل 500 لتر في السنة. وهكذا نحصل على مجموعة من الثيران لكل واحد منها نقاط قوته التي يمكننا الاستعانة بها لتصحيح مكامن الضعف في قطعاننا. فهذا الثور يصلح لتصحيح القوائم، وهذا لتسوية الظهر وهذا للحصول على ضرع مثالي … إلخ.

و توجد في المغرب برامج لتحسين نسل الهولشتاين، لعل أبرزها برنامج التزاوج العقلاني لتعاونية سوس لتحسين نسل الأبقار، التابعة لتعاونية كوباك بتارودانت. يقوم هذا البرنامج على تنقيط كل بقرة على حدة من طرف لجنة مختصة، وذلك بالاعتماد على فهرس مفصل ودقيق بكل المواصفات الجسمانية للبقرة، إضافة إلى معلومات حول آبائها وكذلك حول كمية وجودة حليبها، ثم بعد ذلك يتم اختيار أفضل ثور مناسب لكل بقرة، لتلقيحها بما يصحح مكامن الضعف فيها لدى الجيل القادم. تعاد هذه العملية كل سنة، وذلك لإدخال لائحة ثيران جديدة. والهدف من هذا التغيير هو مواكبة آخر تطورات عالم التحسين الوراثي في العالم. وهكذا، وبعد عقد ونصف من بداية هذا البرنامج، أصبح لدى المنخرطين فيه قطيع من أجود أبقار الهولشتاين، بحيث أنها تضاهي بل تتفوق على الأبقار المستوردة. ومما زاد من حماسة المنتجين في تحسين نسل أبقارهم، تنظيم المسابقات بمناسبة المعارض السنوية، والتي هي أيضا مواسم للوقوف على ما وصل إليه الكساب المغربي من إنجازات بفضل تظافر الجهود والإصرار على مواكبة كل ما هو جديد في عالم إنتاج الحليب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *